فئة القسم

مقالاتي [8]

طريقة الدخول

بحث

تصويتنا

قيم موقعي
مجموع الردود: 5

إحصائية


المتواجدون الآن: 1
زوار: 1
مستخدمين: 0




السبت, 2024-05-18, 5:37 PM
أهلاً بك ضيف | RSS
الامازيغ
الرئيسية | التسجيل | دخول
كتالوج المقالات


الرئيسية » مقالات » مقالاتي

الأمازيغ عبر التاريخ : نظرة موجزة في الأصول والهوية الحلقة الثانية

الأمازيغ عبر التاريخ : نظرة موجزة في الأصول والهوية الحلقة الثانية

الحلقة الثانية

المصدر:

 

العربي عقون

الحوار المتمدن-العدد: 2650 - 2009 / 5 / 18 - 08:42

المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=172205

 

 

أصـول الأمازيغ

إنّ تكوّن الشعب الأمازيغي أو بالأحرى مختلف المجموعات الأمازيغية، يظلّ قضية شائكة، لأنّ الموضوع طُرح منذ البداية طرحا سيّئا وما يمكن تسميته بالنظريّات "الإشهارية" جعلته يستند تقليديا على الغزو والنزوح والفتوحات والاحتلال، وبالتدريج ذهب الباحثون في كلّ اتّجاه شرقا نحو الميديين والفرس، إلى سوريا وبلاد كنعان، نحو الهند وبلاد العرب الجنوبية (اليمن) وإلى تراقيا وبحر إيجة وآسيا الصغرى،وحتّى شمالا نحو أوربّـا الشمالية وشبه الجزيرة الإيبرية وجزر المتوسّط وشبه الجزيرة الإيطالية … والمؤكّد هو أنّه من الصعب أن نجد بلدا لم يقل هؤلاء الباحثون بأنّ الأمازيغ لم يقْدِموا منه،أمّا الفرضية التي يمكن دخول الموضوع بها فهي: ماذا لو أنّ الأمازيغ لم يأتوا من أيّ بلد ؟. والأحرى هو البحث على الأقلّ في الخلط الذي وقع في معطيات الدلالات المختلفة والمتناقضة، وليس أفضل من البدء في فحص الأمازيغ أنفسهم،من البقايا البشرية السابقة للفترة التاريخية وهي الفترة التي كما نعرف كان فيها السكان الحاليون يعيشون في هذا البلد.وفي كلمة ينبغي منطقيا الموافقة على أولوية الأنثروبولوجيا، فهذا العلم لا يسمح فقط بتحديد أصالة الأمازيغ ضمن سكّان الجنوب المتوسّطي،بل يسمح أيضا بتبيان مجموعات الأمازيغ في هذا الربع الشمالي الغربي من أفريقيا وعلى الخصوص التركيز على معطيات الثقافة أكثر من معطيات الطبيعة،ومن بينها استمرار اللغة الأمازيغية(12).

 

 

ينبغي في الواقع فحص معطيات الأنثروبولوجيا والألسنية(13) تباعا ، كما تنبغي العودة إلى آلاف السنين لفهم كيف تكوّن تعمير هذه المنطقة الشاسعة ما بين الصحراء والبحر المتوسّط، وأن نضع أنفسنا في بداية العصر الذي يسمّيه الباحثون في ما قبل تاريخ أوربّا: الباليوليثي الأعلى،ففي ذلك العصر كان يعيش في الشمال الأفريقي إنسان من نوع الإنسان الحالي هو الإنسان العاقل العاقل وهو صانع الحضارة العاترية، تلك الثقافة الشبيهة بالموستيرية، وهذا الإنسان العاتري الذي اكتشف في موقع دار السلطان في المغرب الشبيه بالإنسان الذي اكتشف في جبل ارحود يجعلنا نقبل فكرة أنّه انحدر منه، ومن المهمّ هنا الإقرار بتسلسل سلالي من الإنسان العاتري إلى خلفه الإنسان الذي عرف منذ مدّة طويلة بالإنسان المشتوي (Mechtoïde) ، وإنسان المشتى هذا شبيه بإنسان كرو-مانيون (Cro-Magnon) في الخصائص الطبيعية (الطول 1,74م في المتوسّط للذكور، سعة الجمجمة 1,650 سنتم3) وقلّة الانسجام ما بين الوجه العريض والمحجر ذي الشكل الطولي.

 

 

كان إنسان المشتى في البدايات يصنع أدوات صنّفت تحت اسم الإيبرومورية (Ibéromaurusiens) التي توجد آثارها في كلّ المناطق الساحلية والتلّية ، وكانت الإيبرومورية هذه معاصرة للمغداليني (Magdalénien) والأزيلي (Azilien) الأوربيين ولها نفس الخصائص التي تحملها صناعة العصر الحجري القديم المتأخّر (صغر الأدوات الحجرية) وفي غالب الأحيات تكون عبارة عن نصيلات صغيرة ذات الظهر (Lamelles à dos)، وهذه الأشياء هي عناصر أدواتية في شكل قطع منفصلة يمكن تركيب مقابض خشبية أو عظمية عليها ممّا يجعلها أدوات وأسلحة فعّالة .

 

 

كان من المألوف اعتبار إنسان المشتى - وهو ابن عمومة لإنسان كرو-مانيون – ذا أصول من خارج الشمال الأفريقي ، فقد اعتبر البعض أنّه قدم من أوربّـا عبر اسبانيا ومضيق جبل طارق لينتشر في الكناري و الشمال الأفريقي كلّه، ودليلهم أنّ أمازيغ الغوانش احتفظوا بخصائصه حتّى الغزو الإسباني، ويعتقد البعض الآخر أنّ إنسان المشتى منحدر من الإنسان العاقل-العاقل الذي ظهر في الشرق (إنسان فلسطين) ومن ذلك المنشأ الأصلي انطلقت هجرتان الأولى أعطت لنا إنسان كرو-مانيون والثانية اتجهت نحو أفريقيا ونموذجها هو إنسان المشتى. ومن هذين الافتراضين نجد أنفسنا أمام فكرة الأصل الشرقي والأصل الأوربي،وهما عنصران ظهرا فيما بعد في القصص الأسطورية العتيقة، وفي التفسيرات التهويمية (Fantaisistes) في العصور الحديثة التي لا تخلو منها حتّى الفرضيات العلمية الحالية ، ومع أنّ الفرضيتين متضاربتان تضاربا كبيرا يجعل قبولهما أو قبول إحداهما صعبا للغاية ، فافتراض نزوح إنسان كرو-مانيون عبر إسبانيا لا يمكن تحديده، لأنّ المقاربة التشريحية لا تقرّ ذلك، فجمجمة الباليوليثي الأعلى الأوربّـي لها خصائص أقلّ وضوحا من نسله المنحدر منه فرضا في الشمال الأفريقي، ونفس الحجّة يمكن أن تعترض سبيل فرضية الأصول الشرقية لإنسان المشتى، لأنّه لم توجد أيّ وثيقة أنثروبولوجية ما بين فلسطين وتونس يمكن الاعتماد عليها،وأكثر من ذلك لدينا معلومات كافية عن سكّان الشرق الأدنى في نهاية الباليوليثي الأعلى،إنّهم الناطوفيون (Natoufiens) من النمط البروتو-متوسّطي ، الذي يختلف كثيرا عن إنسان المشتى ، فكيف يمكن تفسير – على ضوء ذلك – فكرة انحدار إنسان المشتى من أصول شرقية دون أن يترك ذلك أيّ أثر على الصعيد الأنثروبولوجي ؟.

 

 

في الأخير، يبقى الأصل المحلّي وهو ببساطة ما نعتقد أنّه مهمّ اليوم، فمنذ اكتشاف الإنسان العاتري اتّضح للباحثين المتخصّصين في أفريقيا الشمالية مثل: شاملا(M. C. Chamla)، وفرمـباخ( D. Ferembach) الانحدار المباشر والمتواصل منذ النياندرتاليين شمال-أفريقيين (إنسان جبل ارحود) إلى الكرومانيونيين (إنسان المشتى) ويكون إنسان دار السلطان العاتري هو الوسيط بينهما، لأنّه يتمتّع بخصائص الإنسان العاقل-العاقل .

 

 

نياندرتاليون أفريقيون( جبل ارحود Néanderthaliens Africains (Djebel Irhoud

عاتري (دارالسلطان Atérien ( Dar Es-Soltan

(خصائص الإنسان العاقل-العاقل ( Caractères Homo Sapiens-Sapiens

الإنسان المشتوي [كرو– مانيون] Homme de Mechta (Cro-Magnon )

 

 

يأخذ نموذج المشتى في الإمّحاء تدريجيا أمام إنسان آخر،ولكن لم يكن اختفاؤه نهائيا ، فقد وُجد أنّ % 8 من بين الجماجم المحفوظة في مقابر فجر-تاريخية و بونية هي لأناس مشتويين (Mechtoïdes) [ شاملا 1976]، وحتّى في الفترة الرومانية التي أشبعت بحثا من قبل الأركيولوجيين الكلاسيكيين، وجدت العديد من الجماجم في شرقي الجزائر تحمل خصائص مشتوية، وحتّى في السكّان الحاليين يلاحظ وجود ملامح مشتوية تعود في أغلبها إلى النموذج المتوسّطي الذي يذكّر بالخصائص الرئيسية لإنسان المشتى، ويمثّل هؤلاء الآن حوالي % 3من الشمال أفريقيين الحاليين وهم أكثر حضورا في جزر الكناري.

 

 

نلاحظ ابتداء من الألف الثامنة ق.م. ظهور نموذج جديد في القسم الشرقي من الشمال الأفريقي [نجهل تماما ما حدث من تحوّلات على الصعيد الأنثروبولوجي في الحدود المصرية الليبية] للإنسان العاقل له العديد من خصائص السكّان المتوسّطيين الحاليين،فهو ذو قامة عالية (1,75 للرجل و1,62 للمرأة) ولكنّه يتميّز عن إنسان المشتى فهو أضخم منه قليلا، وأكثر انسجاما في تفاصيل الجمجمة: المحجران مربّعان والأنف ضيّق والهيكل العظمي أكثر خشونة، وزاوية الفكّ على الخصوص ليست مسحوبة نحو الخارج،والخلاصة أنّه ليس هناك كما يقول الأنثروبولوجيون قياسات خارجية (Extroversions des Gonions)، والواقع أنّ هذه الخصائص موجودة بكثرة وملحوظة عند إنسان المشتى،وقد صنّف هذا الإنسان ضمن البروتو-متوسّطي (Proto méditerranéen) كما وجدت في نفس الفترة البروتومتوسطية مجموعات قريبة منه أنثروبولوجيا في الشرق الأدنى [الناطوفيون] وفي جميع جهات البحر المتوسّط ويبدو أنّه انحدر منه نوع كومب كابال (Combe Capelle) الذي يسمّى في أوربّا الوسطى بإنسان برنو (Brno) المتميّز عن إنسان كرو-مانيون،وفي هذا المجال يقترح فرمباخ وجود سلالة شبيهة بالكومب كابال خلال الباليوليثي الأعلى في الشرق الأدنـى .

 

 

في نظر شاملا(M. C. Chamla) يمكن التعرّف ضمن البروتومتوسّطيين على نوعين هما :

-نوع واسع الانتشار،وهو تحت-نوع،ذو جمجمة قويمة الأجزاء (Orthognathe).

-نوع أقلّ انتشارا وهو نوع عين دكّارة ، فيه بعض سمات الزنوجة .

هذان النوعان هما حاملان لصناعة قبل-تاريخية هي الصناعة القفصية وكما هو معروف فإنّ القفصي يغطّي فترة أقلّ من الإيبروموري، ويمتدّ من الألف الثامنة إلى الألف الخامسة .

تمّ الحصول على معلومات هامّة عن القفصيين وعن نشاطاتهم، بفضل المواقع العديدة المسمّاة رماديات أو محلزات(Escargotières)، وامتدّت حضارتهم على قسم كبير من تونس والجزائر الحاليتن، ومن خلال الأدوات القفصية التي تمّ العثور عليها [ نصيلات وسكاكين و أزاميل ذات أشكال مختلفة…] وخاصّة الأعمال الفنّية ذات الأهمّية البالغة في نظر الأثريين والأنثروبولوجيين على السواء وهي الأعمال الفنّية الأقدم في عموم أفريقيا القديمة ، ويمكن القول بأنّها أصل الأعمال الفنّية الرائعة في النيوليثي،وهي –وهذا هو الأهمّ- أصل الفنّ الأمازيغي، فهناك تقارب بين الديكورات القفصية والنيوليثية،لايزال الأمازيغ يستخدمون بعضا منها في الوشم وفي النسيج وفي زخرفة الفخار وحتّى على الجدران، والواقع أنّ ما نراه اليوم من ديكور زخرفي فطري عند الأمازيغ لا يمكن أن نعيده فقط إلى الديكور الهندسي،بل لا بدّ من ربط حلقات التاريخ ببعضها لاكتشاف استمرارية بشكل أو بآخر من فجر التاريخ إلى العصر الحديث .

 

 

نأتي الآن إلى القفصيين البروتومتوسّطيين وهم الشمال أفريقيون الأوائل الذين يمكن –بشيء من الحذر- وضعهم على رأس قائمة السلالة الأمازيغية وهذا منذ 9000 سنة، ولا بدّ من التأكيد هنا بأنّ كلّ محاولة توفيق مقبولة لجعل هؤلاء القفصيين ذوي أصول شرقية تصطدم بكون هذا المجموعة متوسّطية مثلها مثل الناطوفيين، وأنّ بعض الملامح الثقافية عند الناطوفيين أنفسهم ذات تأثّر قفصي، وفي حالة حدوث هجرة من الشرق، فإنّ تلك الهجرة قديمة جدّا ومن المبالغة القول بأنّ الأهالي منحدرون منها، لأنّ المشتويين الأوائل تركوا آثارهم ، وإذا وقع هناك بعض التشابه في تقنيات الصناعة الحجرية فإنّ ذلك غير كاف للتدليل على تقارب أو وحدة السلالة هنا وهناك،وحتّى لو افترضنا أنّ المشتويين والبروتومتوسّطيين قد تمركزوا في منلطق واحدة، فإنّ هؤلاء المشتويين استمرّوا إلى النيوليثي حتّى في القسم الشرقي الذي تقفّص (Capsianisé)، ولا توجد دلائل على الاختلاط بالتزاوج والتهجين،وإذا كان الأنثروبولوجيون قد لاحظوا استمرار الملامح المشتوية عند بعض السكّان السابقين لوصول البروتومتوسّطيّين فإنّ ذلك لايمكن تفسيره إلاّ بتطوّر ذاتي يستجيب لظاهرة نحافة عامّة.

 

 

إذا عبرنا إلى النيوليثي،لا نجد تغيّرا كبيرا في التطوّر الأنثروبولوجي في الشمال الأفريقي، بل نلاحظ استمرار نوع المشتى في الغرب وامتداده نحو الجنوب على طول الساحل الأطلنطي،في حين كان باقي الصحراء على الأقلّ جنوبي مدار السرطان آهلا بالزنوج،وقد انتشر البروتو- متوسّطيون تدريجيا، ومع فجر التاريخ نلاحظ أنّ الأشخاص الذين دفنوا في التملوس وباقي المدافن الميغاليثية هم من النوع المتوسّطي مهما كان موقع دفنهم،ما عدا في الجهات الجنوبية حيث يتمركز العنصر الزنجي،ومن هنا نستخلص أنّ الشمال الأفريقي أصبح منذ فجر التاريخ متوسّطيا أو بالأحرى متمزّغا .

 

 

يلاحظ أنّ بعض هؤلاء المتوسّطيين ذوو قامة قصيرة، وأقلّ تعضّلا، وعظامهم أقلّ سمكا، وفي كلمة واحدة يبدون أكثر نحافة، والواقع أنّ العنصر المتوسّطي يتضمّن أشكالا مختلفة ما بين المتوسّطي العملاق والمتوسّطي النحيف غير أنّه لا يمكن الفصل بين هؤلاء وهؤلاء لأنّهما من نفس النوع وهو : فرع متوسّطي لايزال إلى اليوم، فالصنف الأوّل يمثّل : فرع أطلنطي متوسّطي، يظهر بجلاء في أوربّـا من إيطاليا الشمالية إلى بلاد الغال، والثاني ويسمّى الإيبــرو-جزري (Ibéro-Insulaire) ويشغل اسبانيا الجنوبية والجزر المتوسّطية وشبه الجزيرة الإيطالية .

 

 

في أفريقيا الشمالية يوجد هذا الصنف من تحت-نوع على نطاق واسع في المنطقة التلّية، وعلى الخصوص في الجبال الساحلية في شمالي تونس وفي بلاد القبايل وفي الريف، في حين لا يزال النوع العملاق عند الأمازيغ الرحّل في الصحراء (التوارق) وفي مجموعات الرحّل المستعربين (الرقيبات) وعند المغاربة في وسط المغرب وجنوبه (آيت عتّا والشلوح) ولكن توجد نفس الأنواع مع بعضها إلى يومنا هذا في نفس المناطق مثل بلاد القبايل، ففي دراسة حديثة لشاملا تبيّن أنّ النوع المتوسّطي يلتقي في %70 من السكّان ولكن ينقسم إلى ثلاث تحت-نوع هي:

 

 

أوّلا ، فرع أوّل :

-إيبرو-جزري(Ibéro Insulaire) ذو قامة قصيرة أو متوسّطة بوجه صغير وطويل.

- أطلنطي- متوسّطي ، وهو أضخم وذو قامة طويلة .

- صحراوي ، وهو أقلّ انتشارا (15%) ذو قامة طويلة، ووجه طويل.

 

 

ثانيّا ، فرع ثاني :

- ألبي ، ذو وجه صغير وقامة متوسّطة يمثّل حوالي 10 % من السكّان.

 

 

ثالثا ، فرع ثالث :

-أرمني يمتاز بوجه طولي ، وجمجمة عريضة (Brachycéphale) .

وإلى جانب هذا المخزون يضاف بعض الأفراد الذين يحتفظون بملامح مشتوية ، وبعض المولّدين المنحدرين من عناصر زنجية أقدم.

إنّ هذه النماذج تظهر تنوّع تعمير الشمال الأفريقي، ولكن ينبغي التنبيه إلى أنّ العصر الذي كانت فيه الملامح العرقية هي الهدف الأسمى للبحث الأنثروبولوجي قد ولّى، وينبغي أن نفهم بأنّ العنصر الأصلي ظلّ يدمج ضمنه على امتداد التاريخ عددا من الأعراق والأنواع وتبيّن الأبحاث الحالية في العالم كلّه كيف أنّ الإنسان كان في جسمه قابلا للتغيّر وحسّاس للتغيّرات ، وخاصّة الاستعداد للتكيّف مع ظروف الحياة ، والملاحظ أنّ نمو القامة في الأجيال الثلاثة الأخيرة هو ظاهرة محسوسة ومعروفة في الرأي العامّ ويسهل قياسها بفضل أرشيف مكاتب التجنيد .

 

 

تظهر أعمال أخرى بأنّ شكل الجمجمة قد تغيّر بسبب وراثي كما يقول البيولوجيون دون أي عامل طارئ أو أجنبي،وهذه القابلية للتطوّر والحساسية للعوامل الخارجية يظهر في شريط الحياة ومنه يبدو أنّ التحوّل الوراثي الذي يقول به الأنثروبولوجيون كاف لتفسير التحوّلات البيولوجية دون الحاجة إلى أساطير الهجرة والغزو في تكوين السكّان التاريخيين، ولذلك تصبح مسألة التطوّر المحلّي مقنعة ومقبولة جدّا، أمّا ظهور نوع الإيبرو-جزري داخل مجموعة متوسّطية أفريقيّة فيفسّر بسبب نحافة بسيطة ، ولم تظهر اختلافات في الشكل بين جماجم العهود القفصية والبروتومتوسّطية والحديثة .

 

 

يكوّن البروتومتوسّطيون القفصيون بالتأكيد قاعدة التعمير الحالي في الشمال الأفريقي ، ويحاول البعض ربط هذا التعمير بحركة تعمير كلّ البلاد المتوسّطية مع افتراض أنّ منطلق تلك الحركة في عصور ما قبل التاريخ هو شرقي البحر المتوسّط ، مستدلاّ بأنّ تلك الحركة ليست الأولى ، فلقد ظلّ النزوح من شرقي المتوسّط نحو الغرب قائما وهو ما سمّي في المراحل التاريخية بالغزو أو الفتوحات، وتظلّ الفكرتان؛ فكرة الأصول المحلّية والأصول الخارجية تصطدمان ببعضهما ، ويشير الأنثروبولوجيون إلى أنّ البحث في أصل النباتات الزراعية والحيوانات المستأنسة يمكن أن يقيم الدليل على قوّة إحدى الفكرتين لأنّ وجودها يفسّر إمّا بجلبها من قبل محلّيين أو مجيء أجانب بها.

 

 

في عصر المعادن ظهر في الصحراء الطرابلسية مربّو الخيول وسائقو العربات وهم فرسان فتحوا الصحراء وسيطروا على الزنوج (الأثيوبيين) هؤلاء الفرسان يسمّيهم المؤرّخون الإغريق واللاّتين الغرامنت (Garamantes) شرقا والجيتول (Gaetulii) في الوسط والغرب وأحفادهم هم أمازيغ الصحراء الذين سيطروا طويلا على الحرطانيين الذين يبدو أنّهم أحفاد أولئك الأثيوبيين.

 

 

نلاحظ خلال فترات الاحتلال الروماني ثمّ الوندالي والبيزنطي حركة كبيرة للقبائل الثائرة خاصّة خارج الليمس الروماني ثمّ في الأراضي ذاتها التابعة للإمبراطورية مثل الكونفدرالية القبلية التي سمّاها الرومان ليواتاي (Levathae) التي كانت متمركزة في القرن السادس في إقليم طرابلس،هذه القبيلة التي ذكرتها المصادر العربية باسم لواتة سوف يمتدّ تمركزها في القرون الوسطى لتستقرّ في المنطقة ما بين أوراس وورشنيس،وهي تنتمي مع عدّة قبائل أخرى إلى المجموعة الزناتية،وهي المجموعة الأحدث ضمن المجموعات الناطقة بالأمازيغية، وتتميّز أمازيغيتها بوضوح عن أمازيغية المجموعات الأقدم التي يمكن تسميتها بقدامى الأمازيغ (Paléoberbères)، وقد أحدث هؤلاء الزناتيون اضطرابات كبرى تضاف إليها الاضطرابات السياسية الدينية والاقتصادية التي ضربت المقاطعات الأفريقية،وسيكون ذلك لصالح آلة الفتح العربي إلى درجة كبيرة،وبعد أربعة قرون من ذلك يأتي اكتساح بدو هلال وسليم ومعقل، الذي ما هو إلاّ حلقة في سلسلة طويلة من الاكتساحات بدأت منذ آلاف السنين،وإذا كان سكّان الشمال الأفريقي قد احتفظوا نتيجة لذلك بتواصل طبيعي بقدر ما هو ثقافي إزاء الشرق الأدنى فإنّ هناك تيّار ثان شمال-جنوب يتقاطع مع الأوّل وهو تيّار قويّ طبع هذه البلاد الغربية بقوّة .

 

 

ظهر التيّار المتوسّطي منذ النيوليثي ، فساحل بلاد البربر عرف خلال ذلك نفس الثقافات التي عرفها البحر المتوسّط الغربي مثل أسلوب صناعة الفخار، وقد ظهرت في منطقة الريف تقنيات متميّزة تحاكي الأشكال الصدفية الأوربية، وإلى الشرق تنتشر صناعات مقلّدة قادمة من الجزر الإيطالية في عهود أحدث، ويمكن تفسير توزّع الأوابد الجنائزية كالدولمان والقبور تحت الأرض (Hypogées) بوجود تمركز دائم لمجموعة أو مجموعات متوسّطية قدمت من أوربّا،وهذه مساهمة متوسّطية لها أهمّية ثقافية أكثر منها أنثروبولوجية،ولكن إذا كان لبعض العناصر الثقافية أن "تسافر" لوحدها لأنّها أقلّ التصاقا بالعرق، فلماذا يفترض أنّها على الآرض الأمازيغية من أعمال مجموعات وافدة من أوربّا، فالمرجّح أنّ هذه الأشكال والطقوس الجنائزية تكون قد عبرت مضيق صقلّية وانتشرت في شرق الشمال الفريقي القديم دون الحاجة إلى أن ينقلها وافدون من خارج المنطقة الشمال أفريقيّة.

 

 

لا نودّ هنا أن نختصر الدور الأساسي للمجموعة البروتومتوسّطية ،ولكن لا يمكن أن نهمل تلك الإسهامات المتوسّطية الأحدث التي لها أهمّية كبرى على الصعيد الأنثروبولوجي ولكنّها أكثر ثراء فيما يتعلّق بالصعيد الثقافي،ونضيف إلى هذين العنصرين الرئيسيين إسهامات ثانوية قادمة من إسبانيا ومن الصحراء التي سادت فيها عبرالقرون حضارات سكّان الريف في المغرب.

 

 

الفئة: مقالاتي | أضاف: الامازيغ (2014-05-18)
مشاهده: 210 | الترتيب: 0.0/0
مجموع التعليقات: 0
الاسم *:
Email *:
كود *:

Copyright MyCorp © 2024